Sunday, October 20, 2013

حديث قبل (10) أعوام

 قبل اكثر من 10 اعوام اي في بداية عام 2003 و قبل الغزو الأنكلو امريكاني للعراق بشهرين او ثلاث  . دار حديث بيني وبين احد الأصدقاء في حوار هاديء ، ولم يكن لأي منا اي انتماء حزبي او اتجاه سياسي .
فشغلنا الشاغل كان البحث عن افضل الفرص لتقديم الأفضل لعوائلنا رغم ان صديقي كان افضل حالاً مني اقتصاديا .
كان هاجس الخوف من الإجتياح اللأمريكي لبلدي غالبا ما يؤرقني ليس خوفاً على حياتي وحياة عائلتي رغم انه خوف منطقي . إلا انه كان خوفاً على ما ستخلفه هذه الحرب فيما بعد .
 كنت انقل تخوفي هذا لصديقي اغلب الأحيان . وهو يواسيني احياناً وأخرى ينطق بما يؤمن به . ويحاول ان يثنيني عن تخوفي هذا بقوله ، ان الأمريكان حين يدخلون البلد سيعملون على تغير كل الأوضاع نحو الأفضل وسيقلبون كل الموازين رأسا على عقب .
  فقلت كيف ذالك ؟؟
 فاجابني إجابهةً ساذجه ممزوجه باحلام الكثير من العراقيين الذين كانو يحلمون بعالم افضل من العالم الذي عاشوه لمده تزيد على 13 عاما للحصار بالإضافه  لضروف الحروب التي خاضوها  ، بانهم سيعملون على إعمار العراق من جديد بادخال انظمه متطوره على الدوائر الحكوميه ويعتنون بالمدارس والجامعات ويعملون على توفير فرص العمل بجلب الشركات الكبرى لأعاده الأعمار .على الأقل هذا ما وعدونا به . . وكان متفائلا جدا بطرحه هذا ، إلا إنني اجبته اجابه ظنها نابعه عن ضيق أُفُق وقصر نظر وجهل بما يملكونه الأمريكان من امكانيات اقتصاديه عظيمه وقدره سياسية عاليه بالتحكم بمن يريدون له التغيير ،
 وقلت له :   ثق يا اخي العزيز  ان الأمريكان لن يغيروا شيئاً في العراق بل العكس ستزيد الحاله سوءً ، قد يكسون  شارعاً او يبنون بنايةً مهدمه او يدهنون جدران  مدرسه . فهم  يسخرون منا  باعمالهم التافه هذه ،  إلا أن الخوف من الكارثه التي ستتلو ذلك  .
   سالني باستغراب ممزوج بشيء من السخريه : وما الذي سيحدث بعد كل ذلك ؟
 فأجبته : الخوف من الدماء التي ستسيل  وكما يقول المثل ( الدم راح يوصل للركب )
 فقال وما الذي يجعلك تقول ذلك ؟
فقلت باني اعرف ان الأمريكان لا يوفون بوعودهم لأحد ولهم في ذلك شاهد . فقلت له . كانوا قد وعدوا الأتراك باطفاء ديون سابقه للأمريكان في حال فتحوا الأتراك قواعدهم امام الجيش الأمريكي لشن غاراتهم على العراق بعد الأجتياح العراقي للكويت واخراج الجيش العراقي من الكويت ، فوافقت حينها تركيا على الطلب الأمريكي إلا ان اميركا نكثت بالوعد ولم تطفي شيئا من الديون التركيه  . وغير ذلك من امثله .وأما أسباب تخوفي هذا ينبع من عدة امور وهي  ان الشعب الذي كان محاصرا لأكثر من 13 عاما حصاراً جائراً وغير انسانياً بالمره ، لن يمر على العراقيين مر الكرام ، فهم لا زالوا كالوحش المجروح خطرهُ اكثر بكثير قبل جرحه
 هذا اولاً.  أما ثانيا : ان غالبية الشعب العراقي الذي يظن انه كان  مهمش ومغيب ولا صوت له،  سينفجر حينما تقول له : لك مطلق الحريه ، كونهم لازالو لا يدركون خطوره استغلال الحريه بشكلها الخاطيء والغير مسؤل . وثالثاً :  لازال  هناك من يفهم بان الغزوا الأمريكي للعراق هو احتلال للوطن  وان مقاومة الإحتلال عملا شرعيا مرتبط بقوة ارتباط العراقيين بارضهم وحبهم لوطنهم . وبالأخص البعثيين اللذين ينتمون للحزب انتمائاً عقائديا  مؤمنين بمبادئهم واهدافهم . بالأخص بعد ان يُحل الحزب ولا يسمح له بالاشتراك  بالحكومة الجديده .  وبالمقابل هناك مجاميع  متطرفة تتبع مرشديها الدينيين .  فالجوامع في خطبها بعد صلاة  الجمعة والتي تعمل على شحذ افكار الشباب وتحريضهم على مقاومه العدو الصليبي بكل الوسائل وان ذبحهم حلال. لن تدخل من اذنٍ لتخرج من الأخرى،   فحين تترجم على ارض الواقع سيكون هناك ضحايا كُثُر لاذنب لهم سوى انهم على  غير دين الإسلام .  فانا وانت لا زلنا نسمع ومنذ الآن بأن الأمريكان اقارب لنا وإن امورنا ستكون بخير بعد الغزو الأمريكي  كوننا مسيحيين . ..
هذه العوامل مجتمعة مع العوامل السايكولوجيه للفرد العراقي المهيئ لمثل هذه الأفكار  كلها ستكون لها عواقب وخيمه على مستقبل العراق ، ..
 فقال لا اظن ذلك لأن الأمريكان سيمنعون ذلك بنشر الوعي بين الصفوف .
  فقلت له : إن غداً لناظرهِ قريب ..
 اقفلنا الحديث وغادر صديقي ووعدني  باننا سنلتقي بعد الغزو ونحن في افضل حال كون ان ايام الغزو كانت وشيكة  بعد ان ايقنا بان الجيوش الغربيه على أُهبه الإستعداد وهم بانتظار ساعة الصفر  لشن هجومهم ..
  مرت الأيام وتتابعت الأحداث بعد سقوط بغداد وسقوط البلد بايدي من يدعون بانهم اساياد الحرية والديمقراطيه في العالم .. فحدث ما حدث وبدأت المقاومة من  الفلوجه حينذاك  . وبعدها بدأ الهرج والمرج  بالقتل العشوائي في الشوارع لكل من له ثأر او ضغينه يحملها على احد ، وبدات تصفيه الحسابات على طريقه راعاة البقر الأمريكان  بعد ان تم تفكيك الجيش والشرطة العراقيه وامتلاك أغلب الناس للسلاح بحجه الدفاع عن النفس في حال التعرض لأي إعتداء ، بعد ان عاثت الزمر الفاسده بالأرض فسادا  وتفاقمت الأوضاع بازدياد السايارات المفخخه  والقتل الجماعي بها . .
 وبعد مرور  4 او 5  اشهر على الغزو شائت الأقدار ان التقي بصديقي العزيز الذي وعدني باننا سنلتقي بعد الغزو ونحن بافضل حال .. فأول شيء أجابني به بعد التحيه والإطمئنان على بعضنا البعض ، هو :
 قد أصَبْتَ في كل ما قلت يا اخي العزيز فالوالله نحن كنا على خطأ ولم ندرك الأخطار التي سنواجهها بعد الغزو ولكن املي بالله  كبير بأن الأمور ستتحسن لأن مثل هذه التغيرات التي حدثت سنحتاج ل 5  سنواة اخرى كي تعود الأمور الى نصابها.
 فضحكت دون ان اسخر منه بالطبع..
 إلا انه قال ومالذي يضحكك فيما اقوله ؟؟
 فاجبته باني اضحك على ال 5  سنوات التي حددتها لتعود الأمور كما كانت قبل الغزو .
 وقال ألا تكفي ال 5  سنوات ؟
 فقلت له : انا اعطيك  5 سنوات  اخرى من عندي وسترى انها لن تكفي .
فقال : لا  لا اظن ذلك فمن المستحيل ان تستمر الحال على ما هي عليه .
فقلت : بل انني على يقين بان الأُمور ستزداد سوءً يوما بعد يوم ، فكل المعطيات تشير الى ذلك . وحدث ان سقطت قذيفه هاون قريبه من المنطقة التي كنا فيها مما جعله يعجّل بالمغادره على امل ان نلتقي من جديد .
ودّعنا بعضنا بعض ولم نلتقي بعدها حتى كتابه هذه الأسطر .
غادرت العراق منذ 10 سنوات  لأسباب قاهره .... ولا اعرف ان كان صديقي مازال حياً ام ان الأقدار قد فعلت فعلها . وأملي بأن يكون صديقي وكل العراقين بخير  وان ألتقي به مجدداً لأمنحه خمسة اعوام اخرى علها تفلح ، إلا انني لا زلت متيقناً  بأن ال 5  السنوات القادمه سوف لن تغير شيئا من الواقع المرير .
  راجياً ان يعود العراق زاهياً مزدهياً بالطيبين والوطنيين الشرفاء من  ابناء العراق الحبيب خالياً من العملاء والخونه والساسه المعممين ..